مضى غيابه عن زوجته التى تركها حاملا كامله
انت في الصفحة 2 من صفحتين
ما شاء أن يصلى ولما هم بمغادرة المسجد وجد باحته قد غصت على رحبها بمجلس من مجالس العلم لم يشهد له نظيرا من قبل ورأى الناس قد تحلقوا حول شيخ المجلس حلقة إثر حلقة حتى لم يتركوا فى الساحة موطئا لقدم وأجال بصره فى الناس فإذا فيهم شيوخ معممون ورجال تدل هيئاتهم على أنهم لهم منزلة وشأن وشبان كثيرون قد جثوا على ركبهم وأخذوا أقلامهم بأيديهم وجعلوا يلتقطون ما يقوله الشيخ كما تلتقط الدرر ويحفظونه فى دفاترهم وكان الناس متجهين بأبصارهم إلى حيث يجلس
ينقلون ما يقوله الشيخ فقرة فقرة فلا يفوت أحدا شئ من كلامه مهما كان بعيدا وحاول فروخ أن يتبين صورة الشيخ فلم يفلح لموقعه منه وبعده عنه لقد راعه منه بيانه المشرق وعلمه المتدفق وحافظته العجيبة وأدهشه خضوع الناس بين يديه وما هو إلا قليل حتى ختم الشيخ مجلسه ونهض واقفا فهب الناس متجهين نحوه وتزاحموا عليه وأحاطوا به واندفعوا وراءه يودعونه إلى خارج المسجد وهنا الټفت فروخ إلى رجل كان يجلس بجانبه وقال قل لى بربك من الشيخ! فقال الرجل باستغراب أو
فى لهفة ولكنك لم تنسبه لى فقال الرجل إنه ربيعة بن فروخ المكنى بأبى عبد الرحمن لقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة مجاهدا فى سبيل الله فتولت أمه تربيته وتنشئته ولقد سمعت الناس قبيل الصلاة يقولون إن أباه عاد عند ذلك تحدرت من عينى فروخ دمعتان كبيرتان لم يعرف لهما الرجل سببا فمضى يسرع الخطى نحو بيته فلما رأته أم ربيعة والدموع تملأ عينيه قالت ما بك يا أبا ربيعة فقال ما بى إلا الخير لقد رأيت ولدنا ربيعة فى مقام من العلم والشرف والمجد ما رأيته لأحد من قبل فاغتنمت أم ربيعة الفرصة وقالت أيهما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أم هذا الذى
بلغه ولدك من العلم والشرف فقال بل والله هذا أحب إلي وآثر عندى من مال الدنيا كله فقالت لقد أنفقت ما تركته عندى عليه فهل طابت
نفسك بما فعلت فقال نعم وجزيت عنى وعنه وعن المسلمين خير الجزاء. من كتاب صور من حياة التابعين للدكتور عبد الرحمن رافت